recent
أخبار ساخنة

مطلوب البحث عن الملهمين






مطلوب البحث عن الملهمين

مطلوب البحث عن الملهمين

علمونا أساتذتنا حينما كنا صغارا أن الحياة بحث واستكشاف مستمر.. وأن هذا البحث يقوم على العلاقات والإنجازات .. فأنت تحدد ما هي طبيعة وحجم علاقاتك وإنجازاتك مع كل شئ في الحياة بجانب علاقتك مع الله أو مع نفسك.
فالحياة تتطلب منك البحث لكي تبني علاقاتك مع الدين والأهل والعائلة والمجتمع والمنطقة والوطن والأرض والعلم والعالم والجامعة والمدرسة، وربما حتى علاقتك مع تخصص معين سيكون هو عنوان رحلتك في الحياة.. وبناء عليه تحدد حجم ما تريد أن تعطي لكل منها.. وبناء على عطاءك لكل منها ستنجح في ترك الأثر في شئ ما .. كما علمونا أن نحذر من أن يكون عطاءنا مشتتا و غير منظم .. و كما علمونا أن لا ندعي التوازن دون أن يكون لنا أثرا يرتقي لإحترام العالم يكون ذخرا لنا يوم الحساب ..

الإلهام علم وإدارة. وعلم الإلهام وإدارته اليوم غير من تلك القاعدة التي نظرت إلى الحياة من خلال منطلقات حجم الإنتاج.. فالحياة في مفهوم علم الإلهام هي مشروع كبير يشترط ان نكون منفتحين به دون أن نتوقع معرفة الحقيقة الكاملة في كل لحظة من اللحظات. و رحلة الإلهام هي سعي مستمر لإستكشاف الممكنات التي في انفسنا وتلك التي نصطنعها لأنفسنا، أو هي سعي للإستفادة من كل الفرص التي تتوفر لنا، فننشغل بحب العطاء والتوافق مع النفس والروح والعقل والقلب، يحركنا نحو ذلك دافع ذاتي ملؤه التجرد المستمر. 

تعلمنا الحياة والتجارب كذلك أن الإنسان من الصعب أن يتخلى عن قناعات يعتبرها من المسلمات فهو بحاجة لتفكير مرتبط بروح متجددة تنظر إلى ما تستطيع أن تجدد به الأمل، وتستكشف الفرص التي في النهاية تعطينا طعما جديدا للحياة، فتقلل من سلبيات الظروف التي من حولنا، وتعيد فينا الأمل في أننا لسنا مجرد أرقاما فانية بل قدر جميل للوجود. 

الحياة تجارب ومصاعب، وعندما يتألم الملهم يصبح كل يوم أكثر حكمة، ويصبح معنى لفشله المتكرر لأنه سيبني روحا تجعله أكثر قوة. فالملهم هو صاحب روح جميلة تبتسم لنا يصبح أكثر تفاؤلا. ولكي نصل لهذه الروح والأحاسيس ونفهمها يجب أن نتوسع في قدرتنا على التحمل والمرونة مع كل الضربات والصدمات والتحديات. الإلهام رحلة بناء قدرات.. تتوسع كلما زادت الضربات أو النجاحات، تماما كمن يقوم بالتمرن لإستيعاب المزيد من الهواء في رئتيه بعد أن تعود على الكسل وتعودت رئتيه على الهواء القليل، فلا شك أنه في البداية يعاني بشكل كبير ويتألم. فلا يحطمنك الألم البسيط الذي ستعانيه في هذه الرحلة فهي آلام تدل على أن عضلاتك الروحية وقدرتك على الإلهام بدأت تتوسع تدريجيا وأنك على الطريق وتتدرج في سلم الصعود نحو تجدد جديد تماما كما تتوسع وتكبر الرئة تدريجيا كلما ازدادت لياقتك.

وأنا أخط بقلمي كل كلمة  بعد قراءة الكثير من سير الملهمين الذين أثروا في حياتنا والعالم بدأت تتكرر في خاطري تساؤلات عن حياتهم وهي "أن حياة أي من هؤلاء الملهمين لم يسأل عنها أحد كم من الفترة كانت، ولكن الكل يسأل عن ما هي القيمة المضافة لها"، وبغض النظر عن فترتها. وستجد أن من هؤلاء الملهمين من كانت حياتهم قصيرة جدا، وربما لم تتعدى أعمارهم الخمسينات ومنهم من كانت أعمارهم تصل إلى السبعين أو ما يزيد. ولم يتوقف الهامهم حتى اللحظة الأخيرة.

هذا النوع من الخواطر جعلني أجزم بإن أمتنا بحاجة اليوم إلى معالجة جذرية لأسباب عدم قدرتها على إنتاج أمثال الفارابي، ومصطفى محمود، و أحمد زويل، و محمد بن راشد، و فاروق الباز، وتأخرها في العديد من القضايا ومنها على سبيل المثال الإصلاح على مستوى القضاء والإقتصاد والثقافة. هذا التأخر هو ما قلل من عمق نظرتنا لدورنا في الحياة، وبالتالي لم نستطع أن نبني التناغم بيننا وبين بقية العالم المعطاء في الفكر والإبتكار. 

ونحن نبحر معا فى الحيات سنستكشف القدرات الانسانية الضخمة فينا. سنرى كيف إن الروح والقلب والعقل يتفاعلون بشكل مستمر حتى أثناء النوم، ولكن هذا يحدث لكل منا على قدر همته. ولذا فإن البعض منا الذي له همة عالية تبرز لهم الحلول الكثير في رؤوسهم في أثناء الإسترخاء أو في النوم، أو ربما حتى وهم رحلة علمية. إن هذا النوع من الإستشكاف هو إصلاح في التفكير يتطلب نوعا جديدا من التفكير يكون غير تقليدي والذي يدعم التحول إلى التفكير المرن والإبداعية الذي يؤسس تنافسية حقيقية لدورنا في الحياة. فنحن متأخرين كمجتمعات ليس فقط لأننا لسنا ملهمين، ولكن لأننا قبل كل هذا لا نسعى لأن يكون لنا دورا مهما في الحياة.. ولذا كان الشاعر المفوه الزبيري ينبهنا لهذا فيقول
آه لمصرع أمّة دُفنت        وما بــــــــــــــــــــــــــــــــــرحت تســــــــــــــــــــــير 
كانت أسود الغاب          وهي اليوم دودٌ في القبور 

رحلة البحث عن الإلهام والملهمين هي تجربة جميلة حاولت أن اعكسها  للمهتم بمستقبل أمته.. ولعل الله يقيض لنا من أمتنا وأوطاننا من يتبنى هذا الفكر وهذه الحاجة فينشرها ويغوص في أعماقها.. فيستديم الأجر والعطاء.





 المصدر :

أ. د/ محمد بوحجى                 رئيس المعهد القومى لاقتصاد الالهام 






google-playkhamsatmostaqltradent