الاستثمار الرياضى ودورة في تنمية المجتمع والحد من البطالة (3)
بعد 15 عاماً من إحراز تقدم صوب تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية غير المسبوقة، حوَّل العالم اهتمامه إلى أهداف التنمية المستدامة اللاحقة لها في فترة انتقال إلى خطة التنمية المستدامة لعام 2030 التي اعتمُدت حديثاً.
وخطة عام 2030، بتطلعها الشامل إلى زيادة التقريب بين البشر والكوكب وعدم ترك أحد متخلفاً عن الركْب، تمثل فرصة فريدة لإلهام تحرّك عالمي من أجل التنمية على نطاق العالم، بما في ذلك في ميدان تسخير الرياضة لأغراض التنمية والسلام.
ومنذ بداية الأهداف الإنمائية للألفية في عام 2000، أدت الرياضة دوراً حيوياً في القرارات المتعددة الصادرة عن الجمعية العامة.
وفي القرار 70/1، المعنون ”تحويل عالمنا:
فهي لا تؤثر على اللياقة البدنية تأثيراً مباشراً فحسب، بل تغرس أيضاً لدى الأطفال وصغار السن خيارات أساليب حياة صحية، وتساعدهم على أن يبقوا نشطين، وأن يكافحوا الإصابة بالأمراض غير السارية.
وقد سلط أيضاً عدد من الدراسات التي أجرتها منظمة الصحة العالمية الضوء على قدرة التمارين البدنية على تنشيط الصحة العقلية الإيجابية والتطور الإدراكي.
ووُجد ارتباط بين التمارين الرياضية وحدوث تحسنات في إحساس الإنسان بقدر نفسه وثقته بنفسه، فضلاً عن تأثيرات إيجابية لدى الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب والقلق. وتسهم الرياضة في السلامة بغض النظر عن العمر أو الجنس أو الإثنية.
فهي يستمتع بها الجميع، ومداها لا يضارعها فيه شيء آخر.
فعلى سبيل المثال، أنشأ الاتحاد العالمي للتايكوندو مؤسسة التايكوندو للعمل الإنساني من أجل تشجيع الفنون الحركية في مخيمات اللاجئين في جميع أنحاء العالم.
وهذه المبادرات تذكى الوعي بمحنة صغار اللاجئين وتنسجم تماماً مع أهداف التنمية المستدامة، لا سيما فيما يتعلق بالصحة
ضمان تمتع الجميع بأنماط عيش صحية وبالسلامة في جميع الأعمار
ويستفيد الأطفال وصغار السن استفادة هائلة من النشاط البدني.
فالأنشطة البدنية والرياضة المقترنة بمنهج مدرسي، ضرورية للتعليم الشامل
ضمان التعليم الجيد المنصف والشامل للجميع وتعزيز فرص التعليم مدى الحياة للجميع).
وبالاشتراك في الأنشطة الرياضية والبدنية، إلى جانب الدراسة في المدرسة، يتعلم التلاميذ القيم الرئيسية للرياضة، ومن بينها روح العمل كفريق، واللعب النظيف، واحترام القواعد والآخرين، والتعاون، والانضباط، والتسامح. وهذه المهارات أساسية للمشاركة المستقبلية في الأنشطة الجماعية وللحياة المهنية، ويمكن أن تحفز التماسك الاجتماعي داخل المجتمعات المحلية والمجتمعات الأوسع نطاقاً.
وبالنظر إلى الفوائد التي تحققها الرياضة من حيث نماء الشخص والتنمية الاجتماعية، تمثل إمكانية ممارسة الرياضة والمشاركة فيها هدفاً إنمائياً رئيسياً.
تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين كل النساء والفتيات).
ومن خلال الرياضة والنشاط البدني يمكن تمكين النساء والفتيات ويمكن أن يستفدن من الأثر الإيجابي للرياضة على الأحوال الصحية والنفسية الاجتماعية.
وهذا، بدوره، يحسّن إحساس المشاركات بقْدر أنفسهن وثقتهن بأنفسهن.
وتتيح الرياضة أيضاً فرصاً للتفاعل الاجتماعي والصداقة، يمكن أن تذكي وعي النظراء الذكور بأدوار الجنسين وتعبر عن الفوائد الاجتماعية والنفسية للأفراد وللمجموعات على السواء.
وتأسست وحدة ديار الرياضية النسوية في عام 2008، وأحد أمثلة نجاحها الكبيرة هو فريق ديار النسوى الرياضي، الذي أصبح واحداً من أكبر الفرق الكبرى القومية لكرة القدم في دولة فلسطين.
وفي عام 2012، فاز الفريق بالبطولة الأولى على الإطلاق لكأس دوري فلسطين النسوى لكرة القدم.
وأصبحت الآن اللاعبات الأعضاء في فريق ديار النسوى لكرة القدم يمارسن نشاطاً في الأكاديمية التي افتتحت في عام 2012، حيث يقمن بتدريب الفتيات صغيرات السن ونقل ما لديهن من معرفة إليهن. وعلاوة على ذلك، أقامت مجموعة ديار شبكة وشراكات قوية مع منظمات فلسطينية ودولية، مما يتيح للمشروع اكتساب زخم ودعم ليصبح قادراً على الاستمرار. وقد عاد هذا المشروع بالفائدة ليس فحسب على النساء بل على المجتمع المحلي بأسره.
وفي نيسان/أبريل 2016، سافرت إلى نيبال لحضور افتتاح مباراة في تنس الطاولة من أجل مشروع ”تنس الطاولة للجميع في نيبال“ (NEPALL)، الذي يهدف إلى تشجيع شمول ذوي الإعاقة.
التشجيع على إقامة مجتمعات عادلة ومسالمة لا يهمش فيها أحد
وكثيراً ما تهيئ الرياضة، في مساهمتها في تحقيق السلام، بيئات على المستويين الشعبي والمجتمعي تجمع بين المشاركين في السعي إلى تحقيق أهداف ومصالح مشتركة؛ واكتساب قيم الاحترام والتسامح واللعب النظيف، وتطوير الكفاءات الاجتماعية. وبإمكان الرياضة، بوصفها قاسماً مشتركاً أعظم وشغفاً مشتركاً، أن تبني جسور بين الطوائف بصرف النظر عن الاختلافات الثقافية أو الانقسامات السياسية بينها.
وفي أوقات النزاع أو انعدام الاستقرار، يمكن أن تمنح الأنشطة الرياضية المشاركين إحساساً بأن الأمور طبيعية.
فقد جمع البرنامج بين مشاركين من كل من جمهورية كوريا وجمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية، بحيث أتاح لهم ولغيرهم الفرصة لإدراك أن أوجه التشابه بينهم أكثر من أوجه الاختلاف، وساعدهم على تبديد ما يوجد لدى كل منهم من تصورات سلبية عن الآخر.
وكان برنامج القيادة الشبابية أداة أساسية لاستخدام البلدين للرياضة لإقامة روابط اجتماعية تساعد على تشجيع التقارب والاحترام والتفاهم المتبادل والحوار.
تنشيط الشراكة العالمية من أجل التنمية المستدامة
ومن الأمثلة البارزة لشراكة من هذا القبيل في هذا السياق التعاون بين الأمم المتحدة واللجنة الأولمبية الدولية، وهي كيان له مركز المراقب في الجمعية العامة للأمم المتحدة وتعمل كشريك رئيسي لمكتب الأمم المتحدة المعني بتسخير الرياضة لأغراض التنمية والسلام لديه مبادرات مشتركة متعددة في مجال تسخير الرياضة لأغراض التنمية والسلام.
فكل أربع سنوات، تحث الأمم المتحدة الدول الأعضاء، وجميع الأطراف المتنازعة وغيرها من أصحاب المصلحة، على الالتزام بهدنة أثناء الاحتفال بالألعاب الأولمبية للمعوقين، وذلك بأمل أن يؤدي يوم هدنة واحد إلى أسبوع من السلام، وشهر من السلام، ويضع في نهاية المطاف نهاية للحرب.
وبذلك أصبحت القيم الأولمبية عنصراً هاماً من عناصر الرياضة والتعليم له تاريخ طويل في تشجيع السلام.
كما أن قرار الجمعية العامة 70/4، المعنون ”بناء عالم سلمي أفضل من خلال الرياضة والمثل الأعلى الأولمبي“، اشتركت في تقديمه 180 من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة واعتُمد بتوافق الآراء في عام 2015.
وللمرة الأولى أيضاً، سيمثل اللاجئين فريقهم الأولمبي.
وهاتان السمتان غير المسبوقتين للألعاب الأولمبية وللألعاب الأولمبية للمعوقين في عام 2016 تبيّنان أن تلك الألعاب ليست منافسات شرسة بل فرصاً فريدة لبناء مجتمع أكثر شمولاً وتبعث برسالة سلام وشمول واحترام. وبإمكان المناسبات الرياضية الضخمة أن تساعد على تعزيز التنمية الاجتماعية، والنمو الاقتصادي والصحة، والتعليم، وحماية البيئة، لا سيما إذا كانت جزءاً من سياسات متسقة ومستدامة وطويلة الأجل على كل من الصعيد البلدي والإقليمي والوطني.
ويجب على المنظمات الرياضية ومديريها وعلى اللاعبين والمشجعين أن يفعلوا كل ما بوسعهم لمكافحة هذه العلل وتسخير القوة الإيجابية التي تتسم بها الرياضة تسخيراً كاملاً.
كما أن الفساد يؤثر على الرياضة، كما هو الحال في مجالات أخرى. فالفساد يقتل الرياضة، وينبغي عدم التسامح إطلاقاً إزاء سوء الممارسة في مجال الرياضة، بما يشمل تعاطي المخدرات.
ودورنا هو أن نواصل مكافحة التجاوزات وتشجيع تبني الحوكمة الرشيدة، والنزاهة، والشفافية.
ويجب أيضاً أن نسعى إلى جعل أهداف التنمية المستدامة في صُلب جميع المنظمات الرياضية.
وقد أدت الرياضة، تاريخياً، دوراً هاماً في جميع المجتمعات وكانت بمثابة منبر اتصالات قوي يمكن استخدامه لتشجيع ثقافة السلام. فالرياضة هي، وستظل، إحدى أكثر الأدوات فعالية بالنسبة للتكلفة وأكثرها تنوعاً للترويج لقيم الأمم المتحدة وتحقيق أهداف التنمية المستدامة
منقول من تقرير https://www.un.org/ar/chronicle/article/20132
ويلفريد ليمكي
ويلفريد ليمكي هو المستشار الخاص لأمين عام الأمم المتحدة المعني بتسخير الرياضة لأغراض التنمية والسلام.